مستشفى عمومي

 

مستشفى عمومي




أتنفس بصعوبة، أتوسل الهواء أن يدخل إلى رئتي، إلتقطت نفس عميق…لم ينفع…فتحت نافذة الغرفة…أمشي ذهابًا وإيابًا ، أشعر أن قلبي سيتوقف في أي لحضة، طلعت إلى السطح، ألتقط أنفاس عميقة، عقلي يلتقط أفكار عميقة أيضًا…الموت…لا أريد الرحيل الآن…على الأقل ليس بهذه الطريقة، بعد نصف ساعة وجدت نفسي في مستشفى سيدي حساين، قصدت الإستقبال: 

- لو سمحت، أريد رؤية الطبيب العام! 
قال بنبرة باردة : 
- ما بك ! 
- أجد صعوبة في التنفس. 

أعطاني ورقة مكتوبة بالفرنسية، نضرت حولي، كل الجالسون في القاعة مغاربة، أنا مغربي، لما أعطاني ورقة مكتوبة بالفرنسية، لما أغلب أوراق الإدارات بالفرنسية، لا يهم الآن ، باب حديدي يفصل بين قاعة الانتضار ومكتب الطبيب، شخصان ينتضران في القاعة وحوالي عشر أشخاص واقفون بشكل فوضوي أمام مكتب الطبيب، أجلس هنا أو أقف هناك، فعلت الصواب وجلست أنتضر دوري، الناس يدخلون بترتيب عشوائي، الأكثر جرأة…الأكثر اندفاعًا هو من يدخل الأول، سأموت في هذه الكراسي ولن يصل دوري، حاولت الدخول، أوقفني حارس الأمن، لم أنتبه لوجوده، يرتدي لباس غير رسمي…غير مناسب لحارس مستشفى عمومي وبدون بطاقة تعرفه، ضننته مجرد شخص يريد الزيارة أيضًا، قال : قف هنا ، وقفت آنا أيضًا بعشوائية. 

باب المكتب مفتوح والناس مجتمعون حوله، الكل يرى ويسمع ما يقوله المريض و الطبيب، كأنهم يشاهدون حلقة، دخل أحدهم و بدأ يتحدث مع حارس الأمن ، يبدو صديقه، ثم أدخله قبل الجميع بدون إعتبار للمرضى الذي ينتضرون منذ ساعات…، صبري ينفذ …تنفسي ينفذ…أنضر حولي وأتساءل: لما الأوضاع هكذا، ماذا ينقصنا لتقديم خدمات عمومية أفضل، فكرت أن أصرخ في وجه الحارس والطبيب وكل المسؤولين هنا…إنتابني غضب لا يبشر بالخير…خرجت متخليآ عن شفائي وحالتي ، جلست في كرسي خارج المستشفى، شعلت سيجارة ودموع الإحباط على وجهي. 

قصدت بيت صديقي، أطرق بابه في الثانية صباحًا: 

- هاي! هل كل شيء بخير! 
- لا أستطيع التنفس…المستشفى…خراء …
أمشي ذهابًا و إيابًا وسط بيته و أقول أشياء غير مفهومة.
- إهدأ قليلًا…اعطيني السيجارة ودعني أفهمك.
- لا…، أريد ان أدخن …أريد آن أتنفس….

خرجنا الى الشارع، نبحث عن طاكسي، تنفسي يبطئ أكثر ، بعد لحضات وجدت نفسي داخل سيارة إسعاف…أخدوني إلى المستعجلات ، وضعوا أكسجين على أنفي، طبيب يسألني : 

- هل تشعر بتحسن ! 
- لا، هناك شيء بداخل حلقي يمنع الاكسجين ان يدخل الى داخل رئتي! 
- أسف، لا أستطيع آن افعل أي شيء أخر. 
- كيف لا تستطيع! أنت طبيب يجب آن تفعل شيء ما ! 
- يجب أن تذهب الى مستشفى بوكافر حيث الطبيبة المختصة في الجهاز التنفسي. 
- هل سنجدها الآن! 
- لا، يعملون في الساعة التاسعة صباحًا. 
- لكن لا أستطيع التنفس الآن، لا يمكنني الانتظار حتى التاسعة. 
- آسف ، لا استطيع ان افعل اي شيء أخر. 

خلعت الأكسجين وخرجت من المستشفى فاقد الأمل، ما نفع هذا المستشفى وهذا الطبيب إن لم يكن ملجأ لكل مريض في خطر… أمشي في الشارع بدون وجهة… دموع في وجهي وسيجارة في يدي، صديقي يصرخ : لا يجب آن تدخن الآن ، دوائي الوحيد في تلك اللحظة هو السجائر والدعاء للحياة كي أبقى حي حتى الصباح. 

التاسعة صباحًا في مستشفى بوكافر، باب حديدي، ساحة تتوسطها شجرة كبيرة ومكاتب صغيرة بجوانب البناية، حوالي خمسون شخص مجتمعون حول تلك المكاتب بعشوائية مرة أخرى بدون نضام آو ترتيب، سألت أحدهم: 

- لو سمحت، أريد زيارة الطبيبة المختصة في الجهاز التنفسي! 
- مريضة، لن تأتي اليوم. 

لم أتوقع الكثير من مستشفى عمومي أخر. جلست في كرسي، أبحث في هاتفي عن عيادات خاصة، مختصة في الجهاز التنفسي، الدكتور حاجي، قصدت عيادته، إستقبلتني فتاة بإبتسامة، شرحت لها حالتي، أعطتني رقم الزيارة، عيادة نضيفة، قاعات إنتضار مكيفة، وأجواء تساعد على تخفيف توثر المرضى، جاء دوري، دخلت لمكان الطبيب، المكان منقسم لغرفتين، غرفة كمكتب وغرفة مجهزة بمختلف الآلات الطبية، نمت على سرير، فحصني بجهاز على حلقي وصدري، وقمنا ببعض التجارب الصوتية والتنفسية ثم إنتقلنا لمكتبه، أخبرني ان لدي التهاب في الجهة اليسرى من حلقي و بعض الجراثيم وليس هناك أي خطر يستدعي القلق، سأكون بخير بعدما أستعمل بعض الأدوية. 

الوطن، لا يشعر به الانسان عندما لا يتلقى أبسط حقوقه، يفقد صلته وإنتمائه ويتربص أي فرصة للمغادرة لوطن أخر، سعيًا لحياة أفضل، لحياة يشعر بها كإنسان. 

-يونس إرخسيسن.

Comments

Popular Posts