الفارغون
الفارغون
بعدما أرسلت هذه القصة لصديقتي، قالت: لديك خطأ، انه من الفارغين، من: حرف جر ، الفارغون لازم تولي مجرورة، يعني الفارغين محقة، لكن لن اغيرها، أحببت الفارغون أكثر، إلى الجحيم للنحو والقواعد، ما أريد منها ومنكم هو ..ان تفهموا فكرة ومعنى هذه القصة.
حميد، يلقبونه بسي حميد، عمره يتجاوز الستين، أضن انه يرتدي نفس اللباس طوال السنة، قميص، سروال وجلباب فوقهم، قبعة فوق رأسه و بلغة، أحيانًا حذاء جلدي، يمتلك دكان للخشب، يبيعه لحرفيين الحي، بجانب تجارته، يزاول عمل اخر، وهو التربص ومراقبة الحرفيين وسكان الحي، يقوم بجولة كل صباح على دكاكين الحرفيين والتجار، يرى من يعمل ومن لا يعمل، يسأل عن الصغيرة والكبيرة، عندما ينتهي من جولته، يقف تحت ظل شجرة ويراقب الشارع، عندما يرى إثنين يتحاوران، يقترب منهم ويتضاهر بلامبالاة بينما يتصنت لحديثهم، أحيانًا تدفعه جرأته للدخول في الحوار معهم، يأتي لمكان عملي ثلات مرات في اليوم على الأقل، يدخل كل صباح، يسأل: هل تعملون، هذا جيد، أين مصطفى، لماذا لم يأتي، هل هو مريض، هل أكلتم شيء ما، ااااه…جيد...إعملوا إعملوا..ان العمل جيد…، يقف قليلًا، يتأمل المكان ثم يغادر، يكرر جولته هذه وكلامه هذا، مرتين او ثلات في اليوم.
في الغالب لا يحدثني، وإن فعل، يحدثني باختصار وحدود، يعلم أني لا أحب فضوله، في الحقيقة، ينتابني فضول تجاه فضوله، فكرت مرات كثيرة ان أساله، لماذا هو هكذا، أعني، لما يسأل كثيرًا، ويقوم بتلك الجولات كل يوم، ويراقب ويتربص بالناس، أكيد لديه سبب، فكرت في تصرفاته كثيرا، والآن عرفت سببه، انه من الفارغون.
بجانب دكان حميد، يوجد دكان إدريس، أناديه بعمي إدريس ، أعرفه منذ سنوات، شكله وملامحه لا تتغير أبدًا، شيب لحيته وشعره وهدوء شخصيته يعطيه وقار وإحترام لدى الناس، منعزل في طبعه لا يخرج من دكانه الا للضرورة، عندما يتعب من عمله، يجلس قرب دكانه شارد الذهن و يرشف من كأس شاي…، أجلس مع إدريس أحيانًا، قبل تعلمه للنجارة، كان حكواتي في حلقات جامع الفنى، ساعدني في كتابة الكثير من القصص، ساعدني أيضًا في فهم وتحليل تصرفات بعض الناس، عمي إدريس لم يدرس في المدرسة، تعلم القراءة والكتابة فالمسيد، عمل كثيرًا وسافر كثيرآ، بداخله حكمة ويعرف طبيعة الحياة وطبيعة الناس.
- إنه من الفارغون.
هكذا قال عمي إدريس عندما سألته عن حميد، قال :
- الناس ينقسمون إلى اللذين يفكرون حد اللزوم والى اللذين لا يفكرون مطلقًا، النوع الأول يسمونهم هذه الايام، Overthinkers، يقولون انهم مرضى، يحللون تصرفاتهم وتصرفات الناس، يسألون: لما افعل هذا ولما الاخر يفعل هذا، يفكرون في مشاعرهم ومشاعر الاخرين، تفكيرهم هذا، يدفعهم الى المرض…الى الجنون.. لكن لا يدفعهم الى الحماقات…، النوع الثاني، ليس لديهم تسمية، ولا آحد قال عنهم شيء، رغم ان هؤلاء الفارغون...اقصد… هؤلاء الذي لا يفكرون، مرضى كذلك بل مرضهم اشد خطورة لانه يزعج الاخرين، لا يفكرون في الضرر الذي قد تحدثه تصرفاتهم او كلامهم، يتصرفون بدون عقل و يملؤون فراغ رأسهم بشؤون الناس…هناك الكثير من هؤلاء الفارغون بيننا و حميد واحد منه.
كرهت حميد من قبل، لكن الآن بعدما عرفت أسبابه ، أشفق عليه، عمي إدريس محق، حميد وأمثاله مجرد مرضى ويجب على أحدهم ان يخترع دواء ما لهم.
Comments
Post a Comment
send a message comment