قصة العاهرة .
العاهرة
.قصة من كتاب حب او مرض
يقولون ان الانسان يكتسب شخصيته من الطفولة، وحالته النفسية مرتبطة باحداث وقعت له في طفولته، واقول ان الانسان يولد وشخصيته ونفسيته محددة من السماء.
ولدت في وسط طبيعي بين عائلة مستقرة، لم اعاني من اي مرض، يضربني والدي احيانا كاي طفل صغير اخر، لم يحدث اي شيء غير طبيعي في طفولتي لكن كان يتملكني حزن عارم كأن هموم العالم بداخل راسي، صامت، متقلب المزاج ومنطوي عن نفسي، اكبر والحزن والتقلبات تكبر معي الى سن العاشرة، تفاقمت تقلباتي وحزني، ولم اعد استطيع النوم ليلا، اصرخ وابكي طوال الليل بدون اي سبب كأن هناك شخص بداخلي يعاني من شيء ما، وانا لا اعرف مما يعانيه واصرخ ليخرج مني، اعتقد والدي ان بداخلي جن او ممسوس وقضيت معضم طفولتي بين الفقهاء يقراون القران عني، لكن لا شيء تغير، الى ان راني رجل من العائلة ونصح ابي ان ياخذني الى طبيب نفسي .
كنت في الرابعة عشر من عمري عندما ذهبت لاول مرة عند الطببب النفسي داخل مستشفى سيدي حساين، لم اكن اعرف الفرق بين مريض نفسي وشخص احمق، اصبت بالذعر عندما دخلت الى جناح الطبيب، حديقة صغيرة، مكتب وقاعة كبيرة مغلقة بباب حديدي، في الحديقة حمقى في حالة مستقرة وفي نوافذ القاعة الكبيرة حمقى يصرخون و يطلبون سيجارة، او يقولون كلامًا غير مفهوم، بجانب مكتب الطبيب، اناس ينتضرون دورهم, جلست وامي، اراقب الاشخاص والمكان بينما ياتي دوري، كان كل شيء مخيف، مكان غريب، اشخاص غرباء، دخلا ممرضان الى مكتب الطبيب، واخرجا شخص يحاولون ادخاله الى القاعة الكبيرة، لكنه لا يريد، يصرخ ويدفع بقوة وامه تبكي، هنا بدات اشعر بالذعر اكثر، وصل دوري، دخلت وامي الى المكتب، طبيب في الخمسينات بملامح قاسية وشعر كثيف وبقايا سجائر بجانبه لولا بذلته البيضاء لضننت انه احمق ايضا، سالني بعض الاسئلة ولمس راسي واعطاني بعض الاقراص وكتب في ورقة ادوية يجب ان اشتريها وقال ان اعود بعد اسبوعين، عندما رايت كل هذا اعتقدت اني احمق او ساصبح احمق .
هكذا بدات بزيارة الطبيب مرة كل اسبوعين، حذرتني امي الا اخبر اي شخص اني ازور طبيب نفسي، سالتها هل انا احمق، وضحت لي اني مريض نفسي ولست احمق وان هناك اختلاف بين الامراض النفسية والامراض العقلية، لكن الى الان مازلت لا افهم لماذا جناح وطبيب الامراض النفسية هو نفسه طبيب الامراض العقلية، هذا سيجعل اي طفل مثلي او اي شخص اخر، انه احمق وليس مريض نفسي.
عندما انتضر دوري للدخول عند الطبيب اراقب المكان، هنا عرفت عائشة، تجلس في الحديقة، هادئة و صامتة، تجلس على الارض، تعانق رجليها وتنضر الى الارض، تبدو كاحد اللوحات المرسومة، كنت امامها اراقبها، رفعت بصرها بهدوء، نضرت الي واعادت بصرها للارض بلامبالاة كانها اعتادت مراقبة الناس اليها، رفعت نضرها الي مرة اخرى:
- ماذا تفعل هنا؟
- انا مريض انتضر دوري للدخول عند الطبيب.
حركت راسها وهي تنضر الي.
- هل انت حمقاء ؟
ارتسمت ابتسامة خفيفة على وجهها لسؤالي:
- يقولون هذا .
لا تبدو حمقاء، ليست كالاخرين، تبدو عاقلة وواعية بكل شيء، وصل دوري، ودعتها, ودخلت عند الطبيب، كالعادة بعض الاسئلة وبعض الكلام وغادرت، اصبحت في كل زيارة اجلس مع عائشة، احيانا لا تعطيني اي اهتمام، تنضر للارض كاني غير موجود، واحيانا تتحدث معي كشخص بالغ رغم اني كنت في الرابعة عشر فقط، لكن كنت اكبر من عمري، اخبرتها بما يحدث لي ولمست راسي بحنان، وسالتها ايضا، لما انت هنا، اعني لماذا يعتقدون انك حمقاء، صمتت لفترة وهي تنضر للارض، كانها تتذكر سبب وجودها هنا ثم ابتسمت الي وقالت، ساخبرك في يوما ما، اذهب الان، امك تناديك.
ذهبت وانا انتضر انتهاء الاسبوعين بفارغ الصبر لكي اعرف سبب حمقها، في انتضاري اسال نفسي هل هي ايضا كانت مثلي في طفولتها، هل انا ايضا ساصبح احمق مثلها، لماذا يعتقدون انها حمقاء وهي ليست كذلك، ما سبب حزن ملامحها وشرودها المفرط، هكذا اسال نفسي طوال الاسبوعين حتى انتهت، ذهبت اليها بشوق:
- اخبريني الان لما انت هنا ؟
ابتسمت للهفتي، وصمتت مرة اخرى وهي تفكر:
- فتحت عيني بقرية نواحي ورزازات، لم اجد امي بجانبي، وجدت امراة تدعى زوجة ابي، واربع اخوان، كنا نعيش في ضروف قاسية، ابي لا يعمل وزوجة ابي متسلطة، تضربني وتجوعني، مارست علي وعلى اخواني كل انواع التعذيب التي قد تتخيلها، دفعوني الى العمل وانا مازلت طفلة، لم اعرف شيء اسمه الحب او الحنان، بلغت الخامسة عشر عندما تقدم رجل لخطبتي، لم اكن اعرفه ويكبرني بسنوات، لم ارغب في الزواج منه لكن والدي اعطاني اليه واختي قالت لي، الزواج افضل لك من هذه العيشة، هكذا تزوجت هروبا من الفقر ومن تسلط زوجة ابي الى جحيم اخر، كنت صغيرة ولا اعرف اي شيء وام زوجي تصرخ وتضربني هي ايضا، وزوجي لا يقول شيئا بل هو ايضا يضربني ويعاملني كذبابة، يشبع رغباته في واخدمه كعبدة، انجبت طفلة منه لكن لم اعد استطيع العيش معه وهربت الى اختي الكبرى، قررنا الفراق، بينما اجمع اوراق الطلاق لم اجد اي شخص يقف معي، ابي غير مهتم،واخواني يعملون خارج القرية، وجدت رجل صديق العائلة يعمل في جماعة القرية، يوصلني الى المدينة، اخبرته عن محنتي، وتعاطف معي وبدا يساعدني في شؤون الطلاق، هكذا بدا يوصلني ويساعدني حتى تكونت علاقة بيننا، شعرت بشيء لم اشعر به من قبل وهو الحب. بعد شهور وجدت نفسي حاملة منه، هو متزوج وانا لم اتطلق بعد، اذا كشف امرنا سندخل الى السجن، هربت الى اختي بالمدينة، سكنت معها حتى موعد الانجاب، تدبر امر انجابي، قال انه سياخد الطفل وسنجد حل ما، بعد طلاقي، اخد الطفل و اختفى. بعد طلاقي وجدته، سالته عن طفلنا، قال انه في مكان امن، ومن الافضل ان يبقى هناك، هكذا تخليت عن طفلي بسبب الخوف من اهلي ومن كلام الناس، رحلت الى مراكش، اعمل في المنازل، افكر في كل يوم في حياتي البائسة وفي طفلي الذي رايته لساعات قليلة فحسب وفي طفلتي التي لن تكبر معي، بعد ثلات سنوات تعرفت على رجل وعرفت معه الحب للمرة الثانية، طلب مني الزواج لكنه يعرف اني مطلقة فقط ولم اخبره بامر طفلي الاخر، سيعتقد اني غير شريفة لو اخبرته بهذا، اخفيت عنه الامر، تزوجنا وانجبنا طفلين، شعرت معهم بسعادة واستقرار لم اشعر به في حياتي حتى ضهرت امراة في صباح يوم اربعاء، سالتني هل انا عائشة ،وقالت انها مسؤولة في جمعية الاطفال المتخلى عنهم و المكلفة بطفلي ويجب ان اتعرف على طفلي واجتمع معه، كان زوجي يستمع للحديث وهو لا يفهم اي شيء وانا مذهولة لا اعرف ماذا ساقول وماذا سافعل. هل انكر طفلي الذي لم اراه منذ ولادته او اعترف لزوجي بكل شيء واخسره واخسر معه طفلان، حاولت ان اربح كلاهما، اعترف لزوجي واشرح له اسبابي عساه ان يسامحني واذهب لرؤية طفلي، لكن لاشيء من هذا حدث، زوجي تخلى عني وطفلي لا يرغب في محادثتي لاني تخليت عنه، وهكذا اصبحت منبوذة في كل مكان، لدي اربعة اطفال وكلهم يكرهونني، واهلي والناس ينعتوني بالعاهرة، وانا لم اختار هذه الصفة، الحياة من اعطتني اياها وقدري هكذا الياس والبؤس…لم اتحمل وطلقت صرخة، ولم اتذكر اي شيء بعدها حتى فتحت عيني هنا.
استقرت حالتي وتوقفت عن زيارة الطبيب ولم اعد ارى عائشة، التقيت بها بعد سنتين في شارع محمد الخامس, جالسة تحت شجرة في حالة مزرية، الان تبدو حمقاء بكل معنى الكلمة، اقتربت منها :
- عائشة ؟
نضرت الي :
- انا لست عائشة، انا العاهرة.
Comments
Post a Comment
send a message comment